فصل: قال ابن قتيبة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن قتيبة:

1- {الم} قد ذكرت تأويله وتأويل غيره- من الحروف المقطعة- في كتاب: المشكل.
2- {لا رَيْبَ فِيهِ} لا شكّ فيه.
{هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} أي: رشدا لهم إلى الحق.
3- {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} أي: يصدقون بإخبار اللّه عز وجل عن الجنة والنار، والحساب والقيامة، وأشباه ذلك.
{وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} أي: يزكّون ويتصدقون.
5- {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} من الفلاح، وأصله البقاء. ومنه قول عبيد:
أفلح بما شئت فقد يبلغ ** بالضعف وقد يخدع الأريب

أي: ابق بما شئت من كيس أو غفلة.
فكأنه قيل للمؤمنين: مفلحون، لفوزهم بالبقاء في النعيم المقيم.
هذا هو الأصل. ثم قيل ذلك لكل من عقل وحزم، وتكاملت فيه خلال الخير.
عليها.
5- والخاتم بمنزلة الطّابع. وإنما أراد: أنه أقفل عليها وأغلقها، فليست تعي خيرا ولا تسمعه. وأصل هذا: أن كلّ شيء ختمته، فقد سددته وربطته.
ثم قال عز وجل: {وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَة} ابتداء. وتمام الكلام الأول عند قوله: {وَعَلى سَمْعِهِمْ}.
والغشاوة: الغطاء. ومنه يقال: غشّه بثوب، أي: غطّه. ومنه قيل:
عاشية السّرج، لأنها غطاء له. ومثله قوله: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهاد وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ} [الأعراف: 41].
9- وقوله: {يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} يريد: إنهم يخادعون المؤمنين باللّه فإذا خادعوا المؤمنين: فكأنهم خادعوا اللّه. وخداعهم إيّاهم، قولهم لهم إذا لقولهم: قالوا: آمَنَّا، {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ}. أي: مردتهم، قالوا: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ}. [سورة البقرة آية 14]. وما يخادعون إلّا أنفسهم: لأن وبال هذه الخديعة وعاقبتها راجعة عليهم، وهم لا يشعرون.
10- {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَض} أي: شك ونفاق. ومنه يقال: فلان يمرّض في الوعد وفي القول، إذا كان لا يصححه، ولا يؤكده.
13- {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ} يعني: المسلمين، {قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ} أي: الجهلة ومنه يقال: سفه فلان رأيه، إذا جهله. ومنه قيل للبذاء سفه، لأنه جهل.
15-: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}. سورة التوبة آية، أي يجازيهم جزاء الاستهزاء جزاء النسيان. وقد ذكرت هذا وأمثاله في كتاب المشكل.
ومثله قوله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة آية: 67]: أي جازاهم جزاء النسيان. وقد ذكرت هذا وأمثاله في كتاب المشكل.
{وَيَمُدُّهُمْ} أي: يتمادى بهم، ويطيل لهم.
{فِي طُغْيانِهِمْ} أي: في عتوّهم وتكبّرهم. ومنه قوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ} [سورة الحاقة آية: 11]، أي: علا.
{يَعْمَهُونَ} يركبون رءوسهم فلا يبصرون. ومثله قوله: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [سورة الملك آية: 22].
يقال: رجل عمه وعامه، أي: جائر عن الطريق. وأنشد أبو عبيدة:
ومهمه أطرافه في مهمه أعمى الهدى بالجاهلين العمّه.
16- {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى} أي استبدلوا.
وأصل هذا: أن من اشترى شيئا بشيء، فقد استبدل منه.
{فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} والتجارة لا تربح، وإنما يربح فيها. وهذا على المجاز.
ومثله: {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} [سورة محمد آية: 21]، وإنما يعزم عليه. وقد ذكرت هذا وأشباهه في كتاب المشكل.
17- {والَّذِي اسْتَوْقَدَ نارًا} أي: أوقدها.
19- والصيب: المطر، فيعل من صاب يصوب: إذا نزل من السماء.
20- {يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ} يذهب بها. وأصل الاختطاف:
الاستلاب، يقال: اختطف الذئب الشاة من الغنم. ومنه يقال لما يخرج به الدّلو: خطّاف، لأنه يختطف ما علق به. قال النابغة:
خطاطيف حجن في حبال متينة ** تمدّ بها أيد إليك نوازع

والحجن: المتعقّفة.
وهذا مثل ضربه اللّه للمنافقين، وقد ذكرته في كتاب المشكل وبينته.
22- {أَنْدادًا} أي: شركاء أمثالا. يقال: هذا ندّ هذا ونديده، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي: تعقلون.
23- {وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ} أي: ادعوهم ليعاونوكم على سورة مثله. ومعنى الدعاء هاهنا الاستغاثة. ومنه دعاء الجاهلية ودعوى الجاهلية، وهو قولهم: يا آل فلان، إنما هو استغاثتهم.
وشهداؤهم من دون اللّه: آلهتهم، سموا بذلك لأنهم يشهدونهم ويحضرونهم.
24- {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ} أي: حطبها. والوقود:
الحطب، بفتح الواو. والوقود بضمها: توقدها.
{وَالْحِجارَةُ} قال المفسرون: حجارة الكبريت.
25- {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ} ذهب إلى شجرها، لا إلى أرضها. لأن الأنهار تجري تحت الشجر.
{كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ} أي: كأنّه ذلك لشبهه به.
{وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهًا} أي: يشبه بعضه بعضا في المناظر دون الطعوم.
{وَلَهُمْ فِيها أَزْواج مُطَهَّرَة} من الحيض والغائط والبول وأقذار بني آدم.
26- {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها} لما ضرب اللّه المثل بالعنكبوت في سورة العنكبوت، وبالذباب في سورة الحج- قالت اليهود: ما هذه الأمثال التي لا تليق باللّه عز وجل؟! فأنزل اللّه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها}. من الذباب والعنكبوت.
وكان أبو عبيدة رحمه اللّه يذهب إلى أن فوق هاهنا بمعنى دون على ما بينا في كتاب المشكل.
فقالت اليهود: ما أراد اللّه بمثل ينكره الناس فيضلّ به فريق ويهتدي به فريق؟ قال اللّه: وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ.
27- {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} يريد أن اللّه سبحانه أمرهم بأمور فقبلوها عنه، وذلك أخذ الميثاق عليهم والعهد إليهم. ونقضهم ذلك. نبذهم إياه بعد القبول وتركهم العمل به.
28- {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتًا} يعني نطفا في الأرحام.
وكلّ شيء فارق الجسد من شعر أو ظفر أو نطفة فهو ميتة.
{فَأَحْياكُمْ} في الأرحام وفي الدنيا.
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في البعث. ومثله قوله حكاية عنهم:
{رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [سورة غافر آية: 11] فالميتة: الأولى إخراج النطفة وهي حية من الرجل، فإذا صارت في الرحم فهي ميتة، فتلك الإماتة الأولى. ثم يحييها في الرحم وفي الدنيا، ثم يميتها ثم يحييها يوم القيامة.
29- {ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ} عمد لها. وكلّ من كان يعمل عملا فتركه بفراغ أو غير فراغ وعمد لغيره، فقد استوى له واستوى إليه.
وقوله: {فَسَوَّاهُنَّ} ذهب إلى السماوات السبع.
30- وقوله: {وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ} أراد: وقال ربك للملائكة. و: {إذ} تزاد والمعنى إلقاؤها على ما بينت في كتاب المشكل.
{إِنِّي جاعِل فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} يرى أهل النظر من أصحاب اللغة: أن اللّه جل وعز قال: {إني جاعل في الأرض خليفة} يفعل ولده كذا ويفعلون كذا. فقالت: الملائكة: أتجعل فيها من يفعل هذه الأفاعيل؟ ولو لا ذلك ما علمت الملائكة في وقت الخطاب أن خليفة اللّه يفعل ذلك. فاختصر اللّه الكلام على ما بينت في كتاب المشكل.
31- {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها} يريد أسماء ما خلق في الأرض، {ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ} أي عرض أعيان الخلق عليهم فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ.
35- {وَكُلا مِنْها رَغَدًا} أي رزقا واسعا كثيرا. يقال: أرغد فلان إذا صار في خصب وسعة.
36- {فَأَزَلَّهُمَا} من الزلل بمعنى استزلّهما، تقول: زلّ فلان وأزللته. ومن قرأ: فأزالهما أراد نحّاهما، من قولك: أزلتك عن موضع كذا أو أزلتك عن رأيك إلى غيره.
{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} يعني الإنسان وإبليس ويقال: والحيّة {وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرّ} موضع استقرار.
{وَمَتاع} أي متعة {إِلى حِينٍ} يريد إلى أجل.
37- {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} أي قبلها وأخذها، كأن اللّه أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده، ففعل ذلك آدم {فَتابَ عَلَيْهِ} وفي الحديث: أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه سلم وعلى آله كان يتلقى الوحي من جبريل، أي يتقبّله ويأخذه.
38- {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها} قال ابن عباس- في رواية أبي صالح عنه-: كما يقال: هبط فلان أرض كذا.
40- {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} أي أوفوا لي بما قبلتموه من أمري ونهيي {أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} أي أوف لكم بما وعدتكم على ذلك من الجزاء.
44-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي وتتركون أنفسكم، كما قال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [سورة التوبة آية: 67] أي تركوا اللّه فتركهم.
45- {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} أي بالصوم. في قول مجاهد رحمه اللّه.
ويقال لشهر رمضان: شهر الصبر، وللصائم صابر. وإنما سمّي الصائم صابرا لأنه حبس نفسه عن الأكل والشرب. وكلّ من حبس شيئا فقد صبره. ومنه المصبورة التي نهي عنها، وهي: البهيمة تجعل غرضا وترمى حتى تقتل.
وإنما قيل للصابر على المصيبة صابر لأنه حبس نفسه عن الجزع.
46- {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ} أي يعلمون. والظن بمعنيين: شك ويقين، على ما بينا في كتاب: المشكل.
47- {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} أي على عالمي زمانهم. وهو من العام الذي أريد به الخاصّ.
48- {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي لا تقضي عنها ولا تغني. يقال: جزى عني فلان بلا همز، أي ناب عني. وأجزأني كذا- بالألف في أوله والهمز- أي كفاني.
{وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْل} أي فدية قال: {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها} [سورة الأنعام آية: 70] أي إن تفتد بكل شيء لا يؤخذ منها.
وإنما قيل للفداء: عدل لأنه مثل للشيء، يقال: هذا عدل هذا وعديله. فأمّا العدل- بكسر العين- فهو ما على الظهر.
49- {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ} قال أبو عبيدة: يولونكم أشد العذاب. يقال: فلان يسومك خسفا، أي يوليك إذلالا واستخفافا.
{وَفِي ذلِكُمْ بَلاء مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيم} أي في إنجاء اللّه إياكم من آل فرعون نعمة عظيمة.
والبلاء يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب المشكل.
50-: و{آل فرعون} أهل بيته وأتباعه وأشياعه. وآل محمد أهل بيته وأتباعه وأشياعه. قال اللّه عز وجل: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} [سورة غافر آية: 46].
54- {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ} أي خالقكم {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} أي ليقتل بعضكم بعضا، على ما بينت في كتاب المشكل.
وقوله: {فَتابَ عَلَيْكُمْ} أي ففعلتم فتاب عليكم. مختضر.
55-: {نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} أي علانية ظاهرا، لا في نوم ولا في غيره.
{فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} أي الموت. يدلك على ذلك قوله: {ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ} [سورة البقرة آية: 56]. والصاعقة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب المشكل.
57- الْغَمامَ: السحاب. سمّي بذلك لأنه يغمّ السماء أي يسترها. وكلّ شيء غطيته فقد غممته. ويقال: جاءنا بإناء مغموم. أي مغطى الرأس.
وقيل له: سحاب بمسيره، لأنه كأنه ينسحب إذا سار.
{الْمَنَّ} يقال: هو الطّرنجبين.
{وَالسَّلْوى} طائر يشبه السّماني لا واحد له وَما {ظَلَمُونا} أي: ما نقصونا {وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي: ينقصون.
والظلم يتصرّف على وجوه قد بينتها في كتاب المشكل.
58- وقوله: {وَقُولُوا حِطَّة} رفع على الحاكية. وهي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار، من حططت. أي حطّ عنّا ذنوبنا.
59- {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أي قيل لهم:
{قولوا حطّة} فقالوا: حطّا سمقاتا، يعني حنطة حمراء.
والرِّجْزُ: العذاب.
60- {وَلا تَعْثَوْا} من عثى. ويقال أيضا من عثا، وفيه لغة أخرى عاث يعيث. وهو أشد الفساد.
وكان بعض الرواة ينشد بيت ابن الرّقاع:
لو لا الحياء وأنّ رأسي قد عنا ** فيه المشيب لزرت أمّ القاسم

وينكر على من يرويه: عسا. وقال: كيف يعسو الشيب وهو إلى أن يرقّ في كبر الرجل ويلين، أقرب منه إلى أن يغلظ ويعسو أو يصلب؟
واحتج بقول الآخر:
وأنبتت هامته المرعزى يريد أنه لما شاخ رقّ شعره ولان، فكأنه مرعزى والمرعزى: نبت أبيض.
61- والفوم فيه أقاويل: يقال: هو الحنطة، والخبز جميعا. قال الفراء: هي لغة قديمة يقول أهلها: فوّموا، أي: اختبزوا. ويقال الفوم الحبوب.
ويقال: هو الثوم. والعرب تبدل الثاء بالفاء فيقولون جدث وجدف.
والمغاثير والمغافير. وهذا أعجب الأقاويل إليّ، لأنها في مصحف عبد اللّه: {وثومها}.
{وَباؤُ بِغَضَبٍ} أي رجعوا. يقال: بؤت بكذا فأنا أبوء به. ولا يقال: باء بالشيء.
62- {الَّذِينَ هادُوا} هم: اليهود.
{والصَّابِئِينَ} قال قتادة: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرأون الزّبور.
وأصل الحرف من صبأت: إذا خرجت من شيء إلى شيء ومن دين إلى دين. ولذلك كانت قريش تقول في الرجل إذا أسلم واتبع النبي صلى اللّه عليه وعلى آله: قد صبأ فلان- بالهمز- أي خرج عن ديننا إلى دينه.
63- والطُّورَ: الجبل. ورفعه فوقهم مبين في سورة الأعراف.
65- {اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} أي ظلموا وتعدّوا ما أمروا به من ترك الصيد في يوم السبت.
{فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ} أي: مبعدين. يقال: خسأت فلانا عني وخسأت الكلب. أي: باعدته. ومنه يقال للكلب: اخسأ، أي: تباعد.
66- {فَجَعَلْناها نَكالًا} أي: قرية أصحاب السبت. نكالا: أي عبرة لما بين يديها من القرى، وما خلفها ليتعظوا بها.
ويقال: لما بين يديها من ذنوبهم، وما خلفها، من صيدهم الحيتان في السبت. وهو قول قتادة. والأول أعجب إليّ.
68- {لا فارِض} أي: لا مسنّة. يقال: فرضت البقرة فهي فارض، إذا أسنّت. قال الشاعر:
يا ربّ ذي ضغن وضب فارض ** له كقروء قروء الحائض

أي ضغن قديم.
{وَلا بِكْر} أي ولا صغيرة لم تلد، ولكنها عَوان بين تينك.
ومنه يقال في المثل: العوان: لا تعلّم الخمرة. يراد أنها ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر.
69-: {صَفْراءُ فاقِع لَوْنُها} أي ناصع صاف.
وقد ذهب قوم إلى أن الصفراء: السوداء. وهذا غلط في نعوت البقر.
وإنما يكون ذلك في نعوت الإبل. يقال: بعير أصفر، أي أسود. وذلك أن السّود من الإبل يشوب سوادها صفرة. قال الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي ** هنّ صفر أولادها كالزّبيب

أي سود.
ومما يدلك على أنه أراد الصفرة بعينها- قوله: {فاقع لونها} والعرب لا تقول: أسود فاقع- فيما أعلم- إنما تقول: أسود حالك، وأحمر قاني.
وأصفر فاقع.
71-: {لا ذَلُول} يقال في الدّواب: دابّة ذلول بيّنة الذل- بكسر الذال وفي الناس: رجل ذليل بيّن الذّل. بضم الذال.
{تُثِيرُ الْأَرْضَ} أي تقلّبها للزراعة. ويقال للبقرة: المثيرة.
{وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} أي لا يسنى عليها فيستقي بها الماء لسقي الزرع.
{مُسَلَّمَة} من العمل.
{لا شِيَةَ} فِيها أي: لا لون فيها يخالف معظم لونها- كالقرحة، والرثمة، والتحجيل، وأشباه ذلك.
والشّية: مأخوذة من وشيت الثوب فأنا أشيه وهي من المنقوص أصلها وشية. مثل زنة، وعدة.
72- {فَادَّارَأْتُمْ فِيها} اختلفتم. والأصل: تدارأتم. فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت الألف ليسلم السكون للدال الأولى. يقال: كان بينهم تدارؤ في كذا. أي اختلاف. ومنه قول القائل في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: «كان شريكي فكان خير شريك: لا يماري ولا يداري» أي لا يخالف.
73-: {فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها}.
أي اضربوا القتيل ببعض البقرة. قال بعض المفسرين: فضربوه بالذّنب. وقال بعضهم: بالفخذ فحيي.
74-: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} أي اشتدت وصلبت.
78-: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ} أي لا يعلمون الكتاب إلّا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب. ومنه قول عثمان رضي الله عنه: ما تغنّيت ولا تمنّيت أي ما اختلقت الباطل.
وتكون الأمانيّ: التّلاوة. قال اللّه عز وجل: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} يريد إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته.
يقول: فهم لا يعلمون الكتاب إلّا تلاوة ولا يعلمون به، وليسوا كمن يتلوه حقّ تلاوته: فيحلّ حلاله ويحرّم حرامه، ولا يحرفه عن مواضعه.
79- {فَوَيْل لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي يزيدون في كتب اللّه ما ليس منها، لينالوا بذلك غرضا حقيرا من الدنيا.
80- {وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} قالوا: إنما نعذّب أربعين يوما قدر ما عبد أصحابنا العجل.
{قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا} أي أتخذتم بذلك من اللّه وعدا؟
83- {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ} أمرناهم بذلك فقبلوه، وهو أخذ الميثاق عليهم.
{وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} أي وصّيناهم بالوالدين إحسانا. مختصر كما قال: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسانًا} [الإسراء: 23] أي ووصى بالوالدين.
84- {وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ} أي لا يسفك بعضكم دم بعض.
{وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ} أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره ويغلبه عليها.
{ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ} أي ثمّ قبلتم ذلك وأقررتم به.
{وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} على ذلك.
85- {ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} وقد بينت معنى هذه الآية في المشكل.
{تَظاهَرُونَ} تعاونون. والتّظاهر: التعاون. ومنه قوله: {إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ} [التحريم: 4] أي تعاونا عليه. واللّه ظهير أي عون.
وأصل التّظاهر من الظّهر. فكأنّ التظاهر: أن يجعل كلّ واحد من الرجلين أو من القوم، الآخر له ظهرا يتقوّى به ويستند إليه.
87- {وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ} أي أتبعناه بهم وأردفناه إيّاهم وهو من القفا مأخوذ. ومنه يقال: قفوت الرجل: إذا سرت في أثره.
88- {قُلُوبُنا غُلْف} جمع أغلف. أي كأنّها في غلاف لا تفهم عنك ولا تعقل شيئا مما تقول. وهو مثل قوله: {قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ} [فصلت: 5]. يقال: غلّفت السيف: إذا جعلته في غلاف، فهو سيف أغلف. ومنه قيل لمن لم يختن: أغلف.
ومن قرأه: {غلف}. أراد جمع غلاف. أي هي أوعية للعلم.
89- {وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} يقول: كانت اليهود إذا قاتلت أهل الشرك استفتحوا عليهم، أي استنصروا اللّه عليهم.
فقالوا: اللهم انصرنا بالنّبي المبعوث إلينا. فلما جاءهم النبي صلّى اللّه عليه وسلم وعرفوه كفروا به. والاستفتاح: الاستنصار.
93- {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} أي حبّ العلج.
96- {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ} عَلى حَياةٍ يعني اليهود.
{وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} يعني المجوس. وشركهم: أنهم قالوا بإلهين: النور والظلمة.
{يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} أراد معنى قولهم لملوكهم في تحيتهم: عش ألف سنة وألف نوروز.
{وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ} أي بمباعده من العذاب طول عمره، لأن عمره ينقضي وإن طال، ويصير إلى عذاب اللّه.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد أو عكرمة عن ابن عباس أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قبل مبعثه، فلما بعثه اللّه من العرب كفروا به وجحدوا وكانوا يقولون فيه، فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء وداود بن سلمة: يا معشر اليهود اتقوا اللّه وأسلموا فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك وتخبروننا بأنه مبعوث وتصفونه بصفته، فقال سلام بن مشكم أحد بني النضير:
ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم فأنزل اللّه: {وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتاب مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية.
97- {قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ} من اليهود. وكانوا قالوا: لا نتبع محمدا وجبريل يأتيه، لأنّه يأتي بالعذاب.
{فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} يعني: فإن جبريل نزل القرآن {عَلى قَلْبِكَ}.
100- {نَبَذَهُ فَرِيق مِنْهُمْ} تركه ولم يعمل به.
102- {وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} أي ما ترويه الشياطين على ملك سليمان. والتلاوة والرواية شيء واحد. وكانت الشياطين دفنت سحرا تحت كرسيّه، وقالت للناس بعد وفاته: إنما هلك بالحسر.
يقول: فاليهود تتبع السحر وتعمل به.
{إِنَّما نَحْنُ فِتْنَة} أي اختبار وابتلاء.
والخلاق: الحظّ من الخير ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وسلم: «ليؤيّدن اللّه هذا الدين بقوم لا خلاق لهم». أي لا حظّ لهم في الخير.
{شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ} أي باعوها. يقال: شريت الشيء. وأنت تريد اشتريته وبعته. وهو حرف من حروف الأضداد.
103- المثوبة الثواب. والثواب والأجر: هما الجزاء على العمل.
104-: {لا تَقُولُوا راعِنا} من رعيت الرجل: إذا تأمّلته، وعرّفت أحواله. يقال: أرعني سمعك. وكان المسلمون يقولون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: أرعني سمعك. وكان اليهود يقولون: راعنا- وهي بلغتهم سب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالرّعونة- وينوون بها السبّ، فأمر اللّه المؤمنين أن لا يقولوها، لئلا يقولها اليهود، وأن يجعلوا مكانها {انْظُرْنا} أي انتظرنا. يقال: نظرتك وانتظرتك بمعنى.
ومن قرأها: {راعنا} بالتنوين، أراد: اسما مأخوذا من الرّعن والرّعونة، أي لا تقولوا: حمقا ولا جهلا.
106- {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها} أراد: أو ننسكها. من النسيان.
ومن قرأها: {أو ننسأها}. بالهمز. أراد: نؤخّرها فلا ننسخها إلى مدة. ومنه النّسيئة في البيع، إنما هو: البيع بالتّأخير. ومنه النّسيء في الشهور، إنما هو: تأخير تحريم المحرّم.
{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها} أي بأفضل منها. ومعنى فضلها: سهولتها وخفتها.
107- {فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ} أي ضلّ عن وسط الطريق وقصده.
114- {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} نزلت في الرّوم حين ظهروا على بيت المقدس فخرّبوه. فلا يدخله أحد أبدا منهم إلّا خائف.
{لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْي} أي هوان. ذكر المفسرون: أنه فتح مدينتهم رومية.
115- {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} نزلت في ناس من أصحاب رسول اللّه، صلى اللّه عليه وعلى آله، كانوا في سفر فعميت عليهم القبلة: فصلّى ناس قبل المشرق، وآخرون قبل المغرب. وكان هذا قبل أن تحوّل القبلة إلى الكعبة.
116- {كُلّ لَهُ قانِتُونَ} مقرّون بالعبودية، موجبون للطاعة.
والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في تأويل المشكل.
117- {بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} مبتدعهما.
118- {لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} هلّا يكلمنا.
{تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} في الكفر والفسق والقسوة.
123- {وَلا تَنْفَعُها شَفاعَة} هذا للكافر. فليس له شافع فينفعه، ولذلك قال الكافرون: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [سورة الشعراء آية: 101] حين رأوا تشفيع اللّه في المسلمين.
124- {ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ} أي اختبر اللّه إبراهيم بكلمات يقال: هي عشر من السّنّة.
{فَأَتَمَّهُنَّ} أي عمل بهن كلّهن.
125- {جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ} أي معادا لهم، من قولك:
ثبت إلى كذا وكذا: عدت إليه. وثاب إليه جسمه بعد العلة، أي: عاد.
أراد: أن الناس يعودون إليه مرة بعد مرة.
{الْعاكِفِينَ} المقيمين. يقال: عكف على كذا، إذا أقام عليه.
ومنه قوله: {وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفًا}. ومنه الاعتكاف، إنما هو: الإقامة في المساجد على الصلاة والذكر للّه.
127- {الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} أساسه. واحدها قاعدة. فأما قواعد النساء فواحدها قاعد. وهي العجوز.
128- {وَأَرِنا مَناسِكَنا} أي علّمنا.
130- {إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} أي من سفهت نفسه. كما تقول: غبن فلان رأيه. والسّفه: الجهل.
135- الحنيف: المستقيم. وقيل للأعرج: حنيف، نظرا له إلى السلامة.
137-: {فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ} أي في عداوة ومباينة.
138-: {صِبْغَةَ اللَّهِ} يقال: دين اللّه. أي الزم دين اللّه. ويقال: الصّبغة الختان. وقد بينت اشتقاق الحرف في كتاب تأويل المشكل.
143-: {جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي عدلا خيارا. ومنه قوله في موضع آخر: {قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 28]. أي خيرهم وأعدلهم. قال الشاعر:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ** إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم

ومنه قيل للنبي صلى اللّه عليه وعلى آله: هو أوسط قريش حسبا.
وأصل هذا أن خير الأشياء أوساطها، وأن الغلو والتقصير مذمومان.
{لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} أي على الأمم المتقدمة لأنبيائهم.
144- {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} نحوه وقصده.
148- {لِكُلٍّ وِجْهَة} أي قبلة.
{مُوَلِّيها} أي موليها وجهه. أي مستقبلها. يريد أن كل ذي ملّة له قبلة.
150- {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّة إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي إلّا أن يحتج عليكم الظالمون بباطل من الحجج. وهو قول اليهود: كنت وأصحابك تصلون إلى بيت المقدس، فإن كان ذلك ضلالا فقد مات أصحابك عليه.
وإن كان هدى فقد حوّلت عنه.
157- {أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوات مِنْ رَبِّهِمْ} أي مغفرة. والصلاة تتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب المشكل.
158- {فَلا جُناحَ عَلَيْهِ} أي لا إثم عليه.
{أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما} أي يتطوّف. فأدغمت التاء في الطاء. وكان المسلمون في صدر الإسلام يكرهون الطواف بينهما، لصنمين كانا عليهما، حتى أنزل اللّه هذا.
وقرأ بعضهم: ألا يطوف بهما. وفي هذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن يجعل الطواف مرخّصا في تركه بينهما.
والوجه الآخر: أن يجعل لا مع أن صلة. كما قال: {ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [سورة الأعراف آية 12]. هذا قول الفراء.
159- {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} قال ابن مسعود: إذا تلاعن اثنان وكان أحدهما غير مستحق للعن، رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها أحد منهما رجعت على اليهود.
160- {إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} أي بيّنوا التوبة بالإخلاص والعمل.
164- {وَالْفُلْكِ} السّفن، واحد وجمع بلفظ واحد.
166- {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ} يعني: الأسباب التي كانوا يتواصلون بها في الدنيا.
167- {لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً} أي رجعة.
{كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ} يريد: أنهم عملوا في الدنيا أعمالا لغير اللّه، فضاعت وبطلت.
168- {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ} أي لا تتبعوا سبيله ومسلكه.
وهي جمع خطوة. والخطوة: ما بين القدمين- بضم الخاء- والخطوة:
الفعلة الواحدة، بفتح الخاء. واتباعهم خطواته: أنهم كانوا يحرمون أشياء قد أحلها اللّه، ويحلون أشياء حرمها اللّه.
170- {نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا} أي وجدنا عليه آباءنا.
171- {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً} أراد: مثل الذين كفروا ومثلنا في وعظهم. فحذف ومثلنا اختصارا. إذ كان في الكلام ما يدل عليه، على ما بينت في تأويل المشكل.
{كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ} وهو: الراعي، يقال: نعق بالغنم ينعق بها، إذا صاح بها.
{بِما لا يَسْمَعُ} يعني الغنم.
{إِلَّا دُعاءً وَنِداءً} حسب، ولا يفهم قولا.
173- {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ} أي غير باغ على المسلمين، مفارق لجماعتهم، ولا عاد عليهم بسيفه.
ويقال: غير عاد في الأكل حتى يشبع ويتزوّد.
{وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ} أي ما ذبح لغير اللّه. وإنما قيل ذلك: لأنه يذكر عند ذبحه غير اسم اللّه، فيظهر ذلك، أو يرفع الصوت به. وإهلال الحج منه، إنما هو إيجابه بالتّلبية. واستهلال الصبيّ منه إذا ولد، أي: صوته بالبكاء.
175- {فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} ما أجرأهم. وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال: أخبرني قاضي المين: أنه اختصم إليه رجلان، فحلف أحدهما على حق صاحبه. فقال له الآخر: ما أصبرك على اللّه. ويقال منه قوله: {اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا} [سورة الطور آية: 16].
قال مجاهد: ما أصبرهم على النار، وما أعملهم بعمل أهل النار. وهو وجه حسن. يريد ما أدومهم على أعمال النار. وتحذف الأعمال.
قال أبو عبيدة: ما أصبرهم على النار، بمعنى ما الذي أصبرهم على ذلك ودعاهم إليه. وليس بتعجب.
177- {ابْنَ السَّبِيلِ} الضّيف {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ} أي في الفقر. وهو من البؤس.
{وَالضَّرَّاءِ} المرض والزّمانة والضّر. ومنه يقال: ضرير بيّن الضّر. فأما الضّر- بفتح الضاد- فهو ضدّ النفع.
{وَحِينَ الْبَأْسِ} أي حين الشدّة. ومنه يقال: لا بأس عليك. وقيل للحرب: البأس.
178- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ} قال ابن عباس: كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن فيهم الدّية. فقال اللّه عز وجل لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ}.
والكتاب يتصرّف على وجوه قد بينتها في تأويل المشكل.
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْء} قال: قبول الدية في العمد، والعفو عن الدم.
{فَاتِّباع بِالْمَعْرُوفِ} أي مطالبة بالمعروف. يريد ليطالب آخذ الدية الجاني مطالبة لا يرهقه فيها.
{وَأَداء إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ} أي ليوءد المطالب ما عليه أداء بإحسان لا يبخسه ولا يمطله مطل مدافع.
{ذلِكَ تَخْفِيف مِنْ رَبِّكُمْ} عما كان على من قبلكم. يعني القصاص.
{وَرَحْمَة} لكم.
{فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ} أي قتل بعد أخذ الدية، فله عذاب أليم قال قتادة: يقتل ولا تؤخذ منه الدية.
وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلم: «لا أعافي رجلا قتل بعد أخذه الدية».
179- {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياة} يريد: أن سافك الدم إذا أقيد منه، ارتدع من يهمّ بالقتل فلم يقتل خوفا على نفسه أن يقتل. فكان في ذلك حياة.
180- {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} أي مالا.
{الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} أي يوصي لهم ويقتصد في ذلك، لا يسرف ولا يضر. وهذه منسوخة بالمواريث.
181- {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ} أي بدل الوصية. فإثم ما بدّل عليه.
182- الجنف: الميل عن الحق. يقال: جنف يجنف جنفا.
يقول: إن خاف أي علم من الرجل في وصيته ميلا عن الحق، فأصلح بينه وبين الورثة، وكفّه عن الجنف- فلا إثم عليه، أي على الموصي.
قال طاوس: هو الرجل يوصي لولد ابنته يريد ابنته.
183- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} فرض.
184-: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أي فعليه عدّة من أيام أخر مثل عدّة ما فاته.
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْر لَهُ} وهذا منسوخ بقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [آية: 185].
والشهر منصوب لأنه ظرف. ولم ينصب بإيقاع شهد عليه. كأنه قال: فمن شهد منكم في الشهر ولم يكن مسافرا فليصم. لأن الشهادة للشهر قد تكون للحاضر والمسافر.
186- {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} أي يجيبوني، هذا قول أبي عبيدة، وأنشد:
وداع دعا يا من يجيب إلى النّدى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

أي فلم يجبه.
187- {الرَّفَثُ} الجماع. ورفث القول هو الإفصاح بما يجب أن يكنى عنه من ذكر النكاح.
{تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} أي تخونونها بارتكاب ما حرّم اللّه عليكم.
{وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} يعني من الولد. أمر تأديب لا فرض.
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} أمر إباحة.
{حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} وهو بياض النهار.
{مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} وهو سواد الليل. ويتبين هذا من هذا عند الفجر الثاني.
{عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ} أي مقيمون والعاكف: المقيم في المسجد الذي أوجب العكوف فيه على نفسه.
188- {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ} أي لا يأكل بعضكم مال بعض بشهادات الزور.
{وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ} أي تدلي بمال أخيك إلى الحاكم ليحكم لك به وأنت تعلم أنك ظالم له. فإن قضاءه باحتيالك في ذلك عليك لا يحل لك شيئا كان محرما عليك.
وهو مثل قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وعلى آله: «فمن قصيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار».
189- وقوله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها} قال الزّهري: كان أناس من الأنصار إذا أهلّوا بالعمرة لم يحل بينهم وبين السماء شيء، يتحرجون من ذلك. وكان الرجل يخرج مهلّا بها فتبدو له الحاجة فيرجع فلا يدخل من باب الحجرة من أجل السقف ولكنه يقتحم الجدار من وراء. ثم يقوم في حجرته فيأمر بحاجته. وكانت قريش وحلفاؤها الحمس لا يبالون ذلك. فأنزل اللّه: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى} أي برّ من اتقى. كما قال: {وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [سورة البقرة آية: 177] أي بر من آمن باللّه.
190- {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا} أي لا تعتدوا على من وادعكم وعاقدكم.
191- {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} أي حيث وجدتموهم.
{وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} يعني من مكة.
{وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} يقول: الشرك أشد من القتل في الحرم.
193- وكذلك قوله: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَة} أي لا سبيل.
وأصل العدوان الظلم. وأراد بالعدوان الجزاء. يقول: لا جزاء ظلم إلّا على ظالم. وقد بينت هذا في كتاب تأويل المشكل.
194- {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاص} قال مجاهد: فخرت قريش أن صدّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، عن البيت الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام. فأقصّه اللّه فدخل عليهم من قابل في الشهر الحرام في البلد الحرام إلى البيت الحرام. وأنزل اللّه: {الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصَاصٌ}.
وقوله: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} أي من ظلمكم فجزاؤه جزاء الاعتداء. على ما بينت في كتاب المشكل.
196-: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} من الإحصار. وهو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر أو عدو. يقال: أحصر الرجل إحصارا فهو محصر. فإن حبس في سجن أو دار قيل: قد حصر فهو محصور.
{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} أي فما تيسّر من الهدى وأمكن. والهدى ما أهدي إلى البيت. وأصله هديّ مشدد فخفف. وقد قرئ: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} بالتشديد. واحده هديّة. ثم يخفف فيقال: هدية.
{وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} هو من حلّ يحل، والمحلّ: الموضع الذي يحل به نحره.
{فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} أراد فحلق.
{فَفِدْيَة مِنْ صِيامٍ} فحذف فحلق اختصارا، على ما بينت في تأويل المشكل.
{أَوْ نُسُكٍ} أي ذبح. يقال: نسكت للّه، أي ذبحت له.
197- {الْحَجُّ أَشْهُر مَعْلُومات} شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة.
{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أي أحرم. فَلا رَفَثَ أي لا جماع.
{وَلا فُسُوقَ} أي لاسباب. وَلا جِدالَ أي لامراء.
198- {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناح أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} أي نفعا بالتجارة في حجّكم.
{فَإِذا أَفَضْتُمْ} أي دفعتم مِنْ عَرَفاتٍ.
199- {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} كانت قريش لا تخرج من الحرم، وتقول: لسنا كسائر الناس، نحن أهل اللّه وقطّان حرمه: فلا نخرج منه. وكان الناس يقفون خارج الحرم ويفيضون منه. فأمرهم اللّه أن يقفوا حيث يقف الناس: ويفيضوا من حيث أفاض الناس.
200- {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ} كانوا في الجاهلية إذا فرغوا من حجهم ذكروا آباءهم بأحسن أفعالهم. فيقول أحدهم: كان أبي يقرى الضيف ويصل الرحم ويفعل كذا ويفعل كذا. قال اللّه عز وجل: {فاذكروني} كذكركم آباءكم.
{أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} فأنا فعلت ذلك بكم وبهم.
201- {آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً} أي نعمة.
وقال في موضع آخر: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَة تَسُؤْهُمْ} [سورة التوبة آية: 50] أي نعمة.
202- {أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيب مِمَّا كَسَبُوا} أي لهم نصيب من حجهم بالثواب.
203- {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ} أيام التّشريق. والأيام المعلومات: عشر ذي الحجة.
204- {أَلَدُّ الْخِصامِ} أشدّهم خصومة. يقال: رجل ألدّ، بين اللّدد. وقوم لدّ. والخصام جمع خصم. ويجمع على فعول وفعال. يقال: خصم وخصام وخصوم.
205- {وَإِذا تَوَلَّى} أي فارقك.
{سَعى فِي الْأَرْضِ} أي أسرع فيها.
{لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ} يعني الزرع.
{وَالنَّسْلَ} يريد الحيوان. أي يحرق ويقتل ويخرب.
206- {وَلَبِئْسَ الْمِهادُ} أي الفراش. ومنه يقال: مهّدت فلانا إذا وطّأت له. ومهد الصبيّ منه.
207- {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ} أي يبيعها. يقال: شربت الشيء، إذا بعته واشتريته. وهو من الأضداد.
208- {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} الإسلام. وتقرأ في السّلم بفتح السين أيضا وأصل السّلم والسّلم الصلح. فإذا نصبت اللام فهو الاستسلام والانقياد. قال: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ} [سوره النساء آية: 94] أي استسلم وانقاد.
{كَافَّةً} أي جميعا.
210- {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} أي هل ينتظرون إلّا ذلك يوم القيامة.
{وَقُضِيَ الْأَمْرُ} أي فرغ منه.
213- {كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً} أي ملّة واحدة. يعني كانوا كفارا كلهم.
214- {مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ} الشدة.
{وَالضَّرَّاءُ} البلاء.
{وَزُلْزِلُوا} خوّفوا وأرهبوا.
215- {يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ} أي ماذا يعطون ويتصدقون؟
{قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ} ما أعطيتم.
{مِنْ خَيْرٍ} أي من مال.
216- {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ} أي فرض عليكم الجهاد، {وَهُوَ كُرْه لَكُمْ} أي مشقّة.
217- {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ} أي يسألونك عن القتال في الشهر الحرام: هل يجوز؟ فأبدل قتالا من الشهر الحرام.
{قُلْ قِتال فِيهِ كَبِير} أي القتال فيه عظيم عند اللّه. وتم الكلام.
ثم قال: {وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْر بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ} وخفض المسجد الحرام نسقا على سبيل اللّه. فكأنه قال: صدّ عن سبيل اللّه وعن المسجد الحرام، وكفر به، أي باللّه.
{وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ} أي أهل المسجد منه، {أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} يريد: من القتال في الشهر الحرام.
{وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} أي الشرك أعظم من القتل.
{حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ} أي بطلت.
219-: {وَالْمَيْسِرِ} القمار. وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به.
{وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ} أي ما ذا يتصدقون ويعطون؟
{قُلِ الْعَفْوَ} يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: خذ ما عفا لك أي ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة. ومنه قوله عز وجل: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [سورة الأعراف آية: 199]، أي اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به: من أموالهم، ولا تستقص عليهم.
220-: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاح لَهُمْ خَيْر} أي تثمير أموالهم، والتنزّه عن أكلها لمن وليها- خير.
{وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ} فتواكلوهم {فَإِخْوانُكُمْ} فهم إخوانكم، حكمهم في ذلك حكم إخوانكم من المسلمين.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} أي من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح.
{وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} أي ضيق عليكم وشدّد. لكنه لم يشأ إلّا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعنتني فلان في السؤال، إذا شدّد عليّ وطلب عنتي، وهو الإضرار. يقال: عنتت الدابة، وأعنتها البيطار، إذا ظلعت.
221- {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} أي لا تتزوجوا الإماء المشركات.
{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} أي لا تزوجوا المشركين {حَتَّى يُؤْمِنَّ}.
222- {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أي ينقطع عنهن الدم. يقال: طهرت وطهرت، إذا رأت الطّهر، وإن لم تغتسل بالماء. ومن قرأ: {يطّهرن} أراد: يغتسلن بالماء. والأصل: {يتطهرون}. فأدغم التاء في الطاء.
223- {نِساؤُكُمْ حَرْث لَكُمْ} كناية. وأصل الحرث: الزّرع. أي هنّ للولد كالأرض للزرع.
{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي كيف شئتم.
{وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} في طلب الولد.
224- {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} يقول لا تجعلوا اللّه بالحلف به- مانعا لكم من أن تبروا وتتقوا. ولكن إذا حلفتم على أن لا تصلوا رحما، ولا تتصدقوا، ولا تصلحوا، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر-: فكفّروا، أوتوا الذي هو خير.
225- {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} واللغو في اليمين: ما يجري في الكلام على غير عقد. ويقال: اللغو أن تحلف على الشيء ترى أنه كذلك وليس كذلك. يقول: لا يؤاخذكم اللّه بهذا، {وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي بما تحلفون عليه وقلوبكم متعمدة، وتعلمون أنكم فيه كاذبون.
226- {يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ} يحلفون. يقال: أليت من امرأتي أولي إيلاء، إذا حلف أن لا يجامعها. والاسم الأليّة.
{فَإِنْ فاؤُ} أي رجعوا إلى نسائهم.
228- {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} وهي الحيض: وهي: الأطهار أيضا. واحدها قرء. ويجمع على أقراء أيضا. قال الأعشى:
وفي كلّ عم أنت جاشم غزوة ** تشدّ لأقصاها عزيم عزائكا

مورّثة مالا وفي الحيّ رفعة لما ** ضاع فيها من قروء نسائكا

فالقروء في هذا البيت الأطهار. لأنه لما خرج للغزو: لم يغش نساءه، فأضاع قروءهنّ، أي أطهارهن.
وقال النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في المستحاضة: «تقعد عن الصلاة أيام أقرائها»، يريد أيام حيضها قال الشاعر:
يا ربّ ذي ضغن عليّ فارض ** له قروء كقروء الحائض

فالقروء في هذا البيت: الحيض. يريد: أن عدواته تهيج في أوقات معلومة، كما تحيض المرأة لأوقات معلومة.
وإنما جعل الحيض قرأ والطهر قرأ: لأن أصل القرء في كلام العرب:
الوقت. يقال: رجع فلان لقرئه، أي لوقته الذي كان يرجع فيه. ورجع لقارئه أيضا. قال الهذليّ:
كرهت العقر عقر بني شليل ** إذا هبّت لقارئها الرّياح

أي لوقتها. فالحيض يأتي لوقت، والطهر يأتي لوقت.
{وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ} يعني: الحمل.
{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ} يريد: الرجعة ما لم تنقض الحيضة الثالثة.
{وَلَهُنَّ} على الأزواج {مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} للأزواج.
{وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ} في الحق دَرَجَة أي فضيلة.
229- {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} يقول: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة تطليقتان.
230- {إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ} يريد: إن علما أنهما يقيمان حدوده.
231- {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرارًا لِتَعْتَدُوا} كانوا إذا طلق أحدهم امرأته: فهو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فإذا أراد أن يضر بامرأته: تركها حتى تحيض الحيضة الثالثة، ثم راجعها. ويفعل ذلك من التطليقة الثالثة. فتطويله عليها هو: الضّرار.
232- {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ} أي لا تحبسوهن. يقال:
عضل الرجل أيّمه، إذا منعها من التزويج.
{إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} يعني: تزويجا صحيحا.
233- {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي على الزوج إطعام المرأة والوليد، والكسوة على قدر الجدة.
{لا تُكَلَّفُ نَفْس إِلَّا وُسْعَها} أي طاقتها.
{لا تُضَارَّ والِدَة بِوَلَدِها} بمعنى: لا تضارر. ثم أدغم الراء في الراء. أي لا ينزع الرجل ولدها منها فيدفعه إلى مرضع أخرى، وهي صحيحة لها لبن.
{وَلا مَوْلُود لَهُ بِوَلَدِهِ} يعني: الأب. يقال: إذا أرضعت المرأة صبيها وألفها، دفعته إلى أبيه: تضارّه بذلك.
{وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} يقول: إذا لم يكن للصبي أب، فعلى وارثه نفقته.
والفصال: الفطام. يقال: فصلت الصبيّ، إذا فطمته. ومنه قيل للحوار- إذا قطع عن الرضاع-: فصيل. لأنه فصل عن أمه. وأصل الفصل: التفريق.
234- {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} أي منتهى العدة.
{فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أي لا جناح عليهن في التزويج الصحيح.
235- {وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ} وهو: أن يعرّض للمرأة في عدتها بتزويجه لها، من غير تصريح بذلك. فيقول لها: واللّه إنك لجميلة، وإنك لشابّة. وإن النساء لمن حاجتي، ولعل اللّه أن يسوق إليك خيرا. هذا وما أشبهه.
{وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا أي نكاحا}. يقول: لا تواعدوهن بالتزويج- وهن في العدة- تصريحا بذلك.
{إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا} لا تذكرون فيه نكاحا ولا رفثا.
{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ} أي لا تواقعوا عقدة النكاح {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} يريد: حتى تنقضي العدة التي كتب على المرأة أن تعتدّها. أي فرض عليها.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} أي يعلم ما تحتالون به في ذلك على مخالفة ما أراد، فاحذروه.
236- {أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} يعني: المهر.
{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} أي أعطوهن متعة الطلاق على قدر الغنى والفقر.
237- {فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ} من المهر. أي فلهن نصف ذلك {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} أي يهبن، {أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ} يعني: الزوج.
وهذا في المرأة: تطلّق من قبل أن يدخل بها، وقد فرض لها المهر.
فلها نصف ما فرض لها، إلّا أن تهبه، أو يتمم لها الزوج الصداق كاملا.
وقد قيل: إن الذي بيده عقدة النكاح: الأب. يراد: إلّا أن يعفو النساء عما يجب لهن من نصف المهر، أو يعفو الأب عن ذلك، فيكون عفوه جائزا عن ابنته.
{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} حضّهم اللّه على العفو.
238- {الصَّلاةِ الْوُسْطى} صلاة العصر. لأنها بين صلاتين في النهار، وصلاتين في الليل.
{وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} أي مطيعين. ويقال: قائمين. ويقال: ممسكين عن الكلام.
والقنوت يتصرف على وجوه قد بينتها في المشكل.
239- {فَإِنْ خِفْتُمْ} يريد: إن خفتم عدوا، فَرِجالًا أي مشاة، جمع راجل، مثل قائم وقيام.
{أَوْ رُكْبانًا} يقول: تصلي ما أمنت قائما، فإذا خفت صلّيت: راكبا، وماشيا. والخوف هاهنا بالتّيقن، لا بالظن.
243- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ} على جهة التعجب.
كما تقول: ألا ترى ما يصنع فلان!!
246- {الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ} وجوههم وأشرافهم.
247- {وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} أي سعة في العلم والجسم. وهو من قولك: بسطت الشيء، إذا كان مجموعا: ففتحته ووسعته.
248- {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ} أي علامة ملكه فِيهِ سَكِينَة السّكينة فعيلة: من السكون.
{وَبَقِيَّة مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ} يقال: شيء من المنّ الذي كان ينزل عليهم، وشيء من رضاض الألواح.
249- {مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ} أي مختيركم.
{قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ} أي يعلمون {كَمْ مِنْ فِئَةٍ} الفئة: الجماعة.
250- {أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا} أي صبّه علينا، كما يفرغ الدّلو.
254- {وَلا خُلَّة} أي ولا صداقة تنفع يومئذ. ومنه الخليل.
255- والسّنة: النّعاس من غير نوم. قال ابن الرّقاع:
وسنان أقصده النّعاس فرنقت ** في عينه سنة وليس بنائم

فأعلمك أنه وسنان، أي: ناعس، وهو غير نائم. وفرق اللّه سبحانه بين السّنة والنوم، يدلّك على ذلك.
{وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما} أي لا يثقله. يقال: آده الشيء يئوده وآده يئيده، والوأد: الثّقل.
256- {لَا انْفِصامَ لَها} أي لا انكسار. يقال: فصمت القدح، إذا كسرته وقصمته.
258- {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}.
أي حاجّه لأن آتاه اللّه الملك، فأعجب بنفسه وملكه فقال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أي أعفو عمن استحق القتل فأحييه، و{أميت} أقتل من أريد قتله فيموت. فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ أي انقطعت حجته.
259-: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ} أي هل رأيت أحدا كالذي حاج إبراهيم في ربه، {أو كالذي مر على قرية}؟! على طريق التعجب {وَهِيَ خاوِيَة} أي خراب.
و{عُرُوشِها} سقوفها. وأصل ذلك أن تسقط السقوف ثم تسقط الحيطان عليها.
{ثُمَّ بَعَثَهُ اللّه} أي أحياه.
{لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتغير بممر السنين عليه. واللفظ مأخوذ من السّنة.
يقال: سانهت النّخلة، إذا حملت عاما، وحالت عاما. قال الشاعر:
وليست بسنهاء ولا رجيبة ** ولكن عرايا في السنين الجوائح

وكأن سنة من المنقوص: وأصلها: ستهة. فمن ذهب إلى هذا قرأها- في الوصل والوقف- بالهاء: {يتسنّه}.
قال أبو عمرو الشّيباني: {لم يتسنّه} لم يتغير، من قوله: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} فأبدلوا النون من يتسنّن هاء. كما قالوا: تظنّيت وقصّيت أظفاري، وخرجنا نتلعّى. أي نأخذ اللّعاع. وهو: بقل ناعم.
{وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} أي دليلا للناس، وعلما على قدرتنا.
وأضمر فعلنا ذلك.
كيف ننشرها بالراء، أي: نحييها. يقال: أنظر اللّه لميت فنشر. وقال: {ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ} [سورة عبس آية: 22].
{ومن قرأ نُنْشِزُها} بالزاي، أراد: نحرك بعضها إلى بعض ونزعجه. ومنه يقال: نشز الشيء، ونشزت المرأة على زوجها.
وقرأ الحسن: {ننشرها}. كأنه من النّشر عن الطّيّ. أو على أنه يجوز أنشر اللّه الميت ونشره: إذا أحياه. ولم أسمع به في فعل وأفعل.
260-: {قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بالنظر. كأن قلبه كان معلقا بأن يرى ذلك. فإذا رآه اطمأن وسكن، وذهبت عنه محبة الرؤية.
{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} أي فضمّهن إليك. يقال: صرت الشيء فانصار، أي أملته فمال. وفيه لغة أخرى: صرته بكسر الصاد.
{ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا} أي ربعا من كل طائر.
فأضمر فقطعهن، واكتفى بقوله: {ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ} عن قوله: فقطعهن. لأنه يدل عليه. وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب، واجعل على كل رمح عندك منه علما.
{ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} يقال: عدوا. ويقال: مشيا على أرجلهن ولا يقال للطائر إذا طار: سعى.
264- والصّفوان: الحجر. والوابل: أشدّ المطر والصّلد: الأملس.
265-: {وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} أي تحقيقا من أنفسهم.
الربوة: الارتفاع. يقال: ربوة، وربوة أيضا.
{أكلها} ثمرها.
الطّل: أضعف المطر.
266- الإعصار: ريح شديدة تعصف وترفع ترابا إلى السماء كأنه عمود.
قال الشاعر:
إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا

أي لاقيت ما هو أشد منك.
267-: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ} يقول: تصدقوا من طيبات ما تكسبون: الذهب والفضة، {وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} أي لا تقصدون للردئ والحشف من التمر، وما لا تأخذونه أنتم إلّا بالإغماض فيه. أي بأن تترخّصوا.
272-: {يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} أي توفّون أجره.
273-: {يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ} لم يرد الجهل الذي هو ضد العقل، وإنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة. يقول: يحسبهم من لا يخبر أمرهم.
{لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافًا} أي إلحاحا. يقال: ألحف في المسألة:
إذا ألح.
275- {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ} من قبورهم يوم القيامة {إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ} أي من الجنون، يقال: رجل ممسوس.
279- {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} أي اعلموا. ومن قرأ: «فآذنوا بحرب». أراد: أذنوا غيركم من أصحابكم. يقال: آذنني فأذنت.
280- {فَنَظِرَة إِلى مَيْسَرَةٍ} أي انتظار.
{وَأَنْ تَصَدَّقُوا} بما لكم على المعسر {خَيْر لَكُمْ}.
282- {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} أي وليّ الحق.
{أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى} أي تنسى إحداهما الشهادة، فتذكرها الأخرى. ومنه قول موسى عليه السلام: {فَعَلْتُها إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20] أي من الناسين.
{وَلا تَسْئَمُوا} أي لا تملوا، {أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا} من الدّين كان {أَوْ كَبِيرًا}.
{أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} أعدل، {وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ} لأن الكتاب يذكّر الشهود جميع ما شهدوا عليه، {وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا} أي أن لا تشكّوا.
{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ} أي تتبايعونها بينكم.
{وَلا يُضَارَّ كاتِب} فيكتب ما لم يملل عليه، {وَلا شَهِيد} فيشهد بما لم يستشهد.
ويقال: هو أن يمتنعا إذا دعيا.
ويقال: {لا يضار} بمعنى لا يضارر {كاتب} أي يأتيه فيشغله عن سوقه وصنعته. هذا قول مجاهد والكلبي.
283- {فَرِهان مَقْبُوضَة} جمع رهن. ومن قرأ: {فرهن مقبوضة} أراد جمع: {رهان}. فكأنه جمع الجمع.
285: {لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} {أحد} في معنى جميع.
كأنه قال: لا نفرق بين رسله، فنؤمن بواحد، ونكفر بواحد.
286-: {وُسْعَها} طاقتها.
الإصر: الثّقل أي لا تثقل علينا من الفرائض، ما ثقلته على بني إسرائيل.
{أَنْتَ مَوْلانا} أي وليّنا. اهـ.